سيدي الشيخ ؟
كان لسيدي الشيخ في حياته عدّة زوجات منهن واحدة مسيحية و آخرتهنّ عائشة بنت عبّو(تحريف لعبد الله أو عبد الإله) و هي من قصر إيش بالمغرب قرية صغيرة شمال شرق فجيج دفنت فيما تبقّى من منزل سيدي الشيخ في القصر الغربي غير بعيد من المسجد العتيق الّذي بني من طرف ولي صحراوي منذ بداية رسالته.
بينما الصوفية تقدم أولا التقشف و العزلة و الزهد في العالم الدنيوي ،و الصلاة والأذكار والنداء المستمر للرعاية الإلهية والتفكر.. بدأت إذن لديه فترة العزلة في الأماكن الخالية بعيدا عن العالم وأوهامه وتناقضاته وتفككه و سخفه الظاهر . ومن بين اماكن التي كان يتعبد فيها خلوة بقصر إيش سميت خلوة سيد الشيخ فهي عبارة عن مسجدصغيرعلى شكل كهف مازال لحد الان يزوره اهل المنطقة
سُجلت التجربة الصوفية لسيدي الشيخ في إطار الطريقة الشاذلية، بينما طريقة الشيخ أبي الحسن (المتوفى656 هـ/1258م) كما نعرفها حسب الكتابات القليلة التي تركها لنا هو نفسه وأتباع فكرته مثل أبي العباس المرسي وابن عطاء الله ،هي رائعة نظرا لوفائها للرأي المستقيم، كما أنها تعتبر ـ مع طريقة الشيخ عبد القادر الجيلاني ـ الأقدم و الأوفق للقرآن و السنة. لقد سجلها في كتابه أبو حامد الغزالي و المكي في"قوت القلوب "حيث تنبعث منها مجموعة من مبادئ وقواعد التقشف من أهمها:الثقة المطلقة في الله و التوكل عليه و الإتّباع الحرفي للفرائض في القرآن و السنة ،والورع والاستعانة والبحث عن الفضل واللطف والخشوع والزهد والأذكار الدائمة وتلاوة الأوراد وحب الله والإخلاص والطاعة وتقرب العبد إلى ربه ليصل الى المعرفة واللقاء بفضل الرياضة الروحية للاقتراب من الكمال و الترنم الداخلي (لعله يقصد الدندنة كما في الحديث..).هذه الرياضات المتسلسلة على مراحل في أوقات مناسبة والمصحوبة بالسكر الفائق و الجذب وفقدان الحواسّ والإرادة من طرف المرشح الطموح.هذا النوع من الفناء يؤدّي إلى الإحياء في الله بروح وحساسية جديدين، انصهار إرادة المخلوق في إرادة الخالق بعيدة عن الرهبنة(Monisme) التي يدّعيها بعض الصوفية الضالة،لأنه لا يوجد شيء أو أحد يساوي أو يختلط أو يتقارن مع الله تعالى في الغيب و مطلق وحدانيته (ارجع إلى سورة الإخلاص 112).
الشيء الذي يحتسب حسب تعليم الشيخ الشاذلي وبعده سيدي الشيخ هو التديّن الحقيقي وليس الاصطناع والتكلف ولا التفاخر. في هذا الصدد ليس للصوفية الحق في إظهار تقشّفهم في الملابس البالية والمقطّعة والمرقّعّة ولا ان يظهروا متسخين وقذرين ، إنّ التسول وطلب الشفقة من الآخرين هما في ذاتهما محتقران واكثر مقتا من تعلّق الأغنياء والحكام بالحياة الدنيا .
بدل أن يكون له مظهر خارجي يوحي للناس :" أن انظروا إلى حالنا المزرية،إنّنا نحتاج إليكم.." فإنّ الصوفي الحقيقي يجب أن يعمل و يعيش محترما بعمله، ويلبس ثيابا لائقة أو حتى فاخرة لكي يظهر لأشباهه: "أن انظروا إلى ثيابنا،نحن لا نحتاج إليكم ولا لإسعافكم لنا..".
إن النجدة والإسعاف الحقيقيين للصوفي قد تكفلهما له الله تعالى معبوده ومحبوبه الذي يوجه اليه توسلاته.
هذه الوسيلة التي يجب ان يعبر عنها ليلا و نهارا ،و لكي يغالب النوم فإن الوسائل المصطنعة يجوز استعمالها وخاصة القهوة البنّ التي منذ ظهورها (القرن7هـ/13م)أصبحت مشروبا شاذليا.
لكي تكون مطابقة للسنة و موافقة للصوفية الشاذلية فإن الطريقة التي أسسها سيدي الشيخ لا تظهر مختلفة كثيرا عن الخطوط الأصيلة .
أثناء الحضرة و الذكر لا يجوز استعمال أي شيء للاستعانة به، لا موسيقى بالآلات و لا رقص ..إلخ. كل ذلك مرفوض من الطقوس والشعائر. و هناك أصالة أخرى: أهمية الخلوة المناسبة للتفكر و استخلاص الروح مع الله. الرواية الشفهية والأشعار الشعبية والمناقب تعترف له بـ 110 خلوات في الواد الغربي و واد الناموس وعبر الناحية الوسطى لجبال الأطلس الصحراوي (كسال وبونقطة وعنتر) وفي الكهوف وقرب المقابر المهجورة وفي الدهاليز.. (انظرالمناقب ص 16،18،23،48،85 إلخ..).
ان دراسة منظومته الصوفية الياقوتة تمكّننا من استخراج خصوصيات أخرى مهمة.لكن نفس المنظومة تلحّ على الناحية العقائدية و حول قضية القدرية لله ، وحول العفو والعقوبة، وحول الخير والشر،إنّها مواضيع تفَكر سيدي الشيخ بدون شك أثناء عزلته من خلوة الى خلوة ( 5 سنوات و5 أشهر و5 أيام حسب المناقب ص 18و4..
كل عمل محرم يعتبر معصية لله الأبدي يلبّس صاحبه خطورة كبرى. كل الناس معرّضون للطرد من النجاة إن لم تلحقه رحمة الله في صرامته، عقابه عدل، وجزاؤه فضل. كما أنّه يحرم اليأس من رحمة الله، والكل يؤدي إلى قضية الرضا ..
الورع الجيد يؤدي الى استحقاق رضا الله الذي هو حر في قبول أو رفض برّ مخلوقاته، لأنه لا أحد يدعي أنه يملك بأيّ سبب كان أيَّ حق على الله.
الصلاة والصوم والثقة والتوسل تخلق استحقاقات للعبد الوفي أن ينال الرضا و لكن ذلك ليس إجبارا في حق الله أن يجازيهم. إن طاعة الله وعبادته ليستا مشروطتين، و عفوه يرجع إلى محض اختياره. لا شيء يربط الله بالناس خارج حلمه و رحمته و رأفته التي كتبها على نفسه. إنّه لمن الضلال البعيد أن نضع العلاقة بين الخالق والمخلوق في زاوية العدل. إن العدل كما هو معروف عند الناس هو عدل بشري له علاقة بالميزان البشري أي يحكم بالظاهر الخارجي لا بالحقيقة و العمق الداخلي.وإنه لا يجب أن يتداخل ذلك مع العدل الإلهي المتدفق من اللامعروف (المجهول) في المقياس الإلهي .
من ذلك فإنّ الطريقة التي تؤدّي إلى رضا الله و التي اتّبعها أهل السلوك طريقة اكتشفها الصوفية المتعطشون الى الله و الذين هم أهل لأن يكونوا قدوة للذين يجهدون أنفسهم لأن يلحقوا بهم عن طريق اختبار الألم في " الحقول التي تنبت الأدوية "، لأحباب الله الذين تيقنوا أن الحب لا معنى له إلا إذا صاحبته التضحيات . إرادة العاشق يجب أن تكون جهدا مستمرا ليخرج من أنانيته و يقترب من الكمال و يكون أهلا للحب و ينكر ذاته حتى يستبعد كل تبادل تجاري أو فكرة احراز »المناصب الجيدة الدنيوية «و »العلاقات الجيدة في الحياة المستقبلية الدنيوي «.
سيدي الشيخ يعلن في الياقوتة ان تقواه تفيض بالفضل الذي وهبه الله اياه . ليس الخوف من النار ولا الطمع في نعيم الجنة هما اساس صلاته و صيامه وحصراته وسهره و زهده في الدنيا، و ذكره في الوحدة .
إنّه يحب الله دون أن يفكر في الجنة ولا في النار ولكن لله و بالله فحسب. يمكننا ان نجد في المناقب هذا التوكيد على الترفع و العفة و تقواه الداخلي :" إنّ الله ينظر الى قلوبكم" " أقلّ الرجال أدبا مع الله من يعبد الله خوفا من النار أو طمعا في الجنة " (ص 13،34،35).هذا الحب يكون ناقصا اذا لم يضم في أول انطلاقه نموّه واختبارَه ، هذا الحب نفسه الّذي من شأنه أن يكشف عن الأصل و الهدف: محمد رسول الله وآله وصحبه( صلى الله عليه وعلى آله و صحبه وسلم). كما نكرر أن