يحرص مسلمو الدانمارك على تسمية أبنائهم باسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يُعَدّ الاسم الأوسع انتشارًا هناك، وبات أغلب الأسماء التي يطلقها المسلمون على أبنائهم في هذا البلد الذي تفجرت فيه الشرارة الأولى لأزمة الإساءة إلى النبي، ويرجعون ذلك إلى الرغبة في الحفاظ على هويتهم الإسلامية وتيسير تعريف الأجيال الجديدة بتعاليم الإسلام.
وأظهرت إحصاءات صدرت عن دائرة الإحصاء المركزية الرسمية أن المسلمين في الدانمارك يفضلون إطلاق أسماء ذات طابع إسلامي على أبنائهم وبناتهم، حيث يميلون دائمًا إلى تسمية الذكور بأسماء مثل "محمد وأحمد وإبراهيم وحسين وحسن ومصطفى وعمر ويوسف"، فيما يميلون إلى تسمية الإناث بأسماء بنات وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل "عائشة وزينب وفاطمة".
ووفقًا للأرقام التي أعلنتها دائرة الإحصاء نهاية الأسبوع الماضي، يأتي اسم محمد على رأس "أوسع الأسماء انتشارًا بين أبناء الأقلية المسلمة، حيث يحمله نحو 8928 شخصًا"، كما ذكرت أن "أغلب مواليد المسلمين في الدانمارك يطلق عليهم اسم محمد"، حيث بلغ عدد مواليد المسلمين الذين يحملون اسم النبي في عام 2004 فقط 167 طفلاً.
الإحصاءات الرسمية الدانماركية ذكرت أن اسم أحمد يأتي في المرتبة الثانية بين أكثر الأسماء انتشارًا بين مسلمي الدانمارك، ويحمله 3923 شخصًا، ويأتي اسم "علي" في المرتبة الثالثة، ويحمله 3394 شخصًا، أما بالنسبة للفتيات فيتصدر اسم فاطمة القائمة ويحمله 2270 من مسلمات الدانمارك.
للتعريف بتعاليم الإسلام
ويقول عمران ثروت -الذي رزق مؤخرًا بطفلة- لـ"إسلام أون لاين.نت" الثلاثاء 9-5-2006: "اتفقت أنا وزوجتي على منح أبنائنا وبناتنا أسماء إسلامية ذات دلالات تاريخية أملاً منا في أن يكون لاختيار هذه الأسماء الأثر الإيجابي عليهم".
ويضيف "أطلقت على ابنتي اسم سيدتنا عائشة؛ لأنني أعتقد أن هذا الاسم سيسهل عليّ الكثير في تعريف ابنتي بتعاليم الإسلام العظيمة".
ورأى أن الطفلة "عندما تعرف أنها تحمل اسم سيدة عظيمة مثل سيدتنا عائشة رضي الله عنها سيزيد حبها وتعلقها بالإسلام، وسيزيد ذلك من شغفها لمعرفة المزيد عن السيدة عائشة، وهذا مما لا شك فيه سيزيدها افتخارًا بحملها لهذا الاسم".
وبدوره يقول الشاب محمد علي الطالب في جامعة كوبنهاجن لـ"إسلام أون لاين.نت": "اسم محمد شرف لي، وتاج من ذهب أضعه على رأسي وأفتخر به دائمًا، لكنه أيضًا في نفس الوقت يحملني مسئولية كبيرة، ويجعلني حذرًا في تصرفاتي مع الآخرين".
وأشار محمد علي إلى أن أزمة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم لم تؤثر بالشكل الكبير على تعامل زملائي معي، مؤكدًا أن تلك الأزمة احتلت مساحة كبيرة من النقاشات والحوارات بينهم.
الحفاظ على الهوية
وتعليقًا على انتشار الأسماء ذات الطابع الإسلامي بين مسلمي الدانمارك، اعتبر المستشار الاجتماعي والشرعي في الوقف الإسكندنافي الشيخ مصطفى الشنضيض أن الدافع في هذه المسألة هو "رغبة الآباء في مساعدة أبنائهم على الحفاظ على هويتهم الإسلامية".
وأضاف في تصريحات لـ"إسلام أون لاين.نت" الثلاثاء 9-5-2006: "ذلك يساعد على التربية، حيث يتذكر الطفل دائمًا أنه يحمل اسم رجل عظيم كعمر بن الخطاب أو خالد بن الوليد مثلاً".
غير أن الشنضيض رأى أن الاكتفاء بالاسم فقط في تعريف الأبناء بالدين الإسلامي غير ذي جدوى، مشيرًا إلى أن "المطلوب هو الاسم والتربية ولا أحد منهما يغني عن الآخر".
وانتقد المستشار الاجتماعي ظاهرة تحويل الأسماء الإسلامية إلى أسماء أخرى غربية مثل تحويل محمد إلى ميدو وعبد الله إلى عبدول، وقال: "لم يحسن الآباء إعطاء وتعليم أبنائهم التعاليم الإسلامية؛ فاختلطت الأمور على أبناء الجيلين الثاني والثالث، وأصبحوا يحملون أسماء لا يعرفون ماذا تعني؟ أو من هم أصحابها؟ وهذا يؤثر سلبًا على نشأة الطفل ويدفعه لتغيير اسمه حتى يرفع عن كتفه مسئولية الاقتداء بصاحب الاسم الأصلي".
"أزمة محمد"
ويقول مراسل "إسلام أون لاين.نت": إنه بجانب انتشار اسم محمد بين المسلمين في الدانمارك، فقد أصبح اسم الرسول الكريم من بين أكثر الأسماء ترددًا بوسائل الإعلام الدانماركية على مدار الشهور الماضية، مع تفجر أزمة الرسوم المسيئة التي نشرتها صحيفة "يولاندز بوستن" الدانماركية في سبتمبر 2005 وتبعتها صحف أوروبية أخرى.
وفي بداية القضية كانت وسائل الإعلام الدانماركية تطلق عليها "أزمة يولاندز بوستن"، غير أنه مع تصاعد الاحتجاجات من جانب المسلمين في أنحاء العالم، بدأت وسائل الإعلام الدانماركية تنسب القضية إلى الرسول الكريم، حيث أطلقت عليها أسماء مثل "أزمة محمد" و"صراع محمد"، في إشارة إلى أن سبب تصاعد أزمة الرسوم هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
واعتبر عبد الواحد بيدرسن أحد أئمة مساجد الدانمارك أن "هذا التلاعب في الكلمات كان له أثر كبير على الرأي العام، حيث يصور المسلمين على أنهم هم من بدءوا النزاع كأنهم يسعون إلى خلق الأزمات".
وتسببت الرسوم التي نشرتها الصحيفة الدانماركية في موجة غضب واسعة على المستوى الرسمي والشعبي في أغلب الدول العربية والإسلامية وعدد من الدول الغربية والآسيوية.